JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Startseite

* موعد مع القدر *

* موعد مع القدر *


قصة قصيرة ..


كان الجو غريبا ..كانت السماء الملبدة بالغيوم تغطي تلك المدينة المطلة علي ساحل البحر المتوسط ، زخات من المطر تتساقط من حين لآخر كأنها تضن بخيرها اعتراضا علي افعال البشر ..
اختفت الطيور داخل اعشاشها اتقاءا لبرد الشتاء كما اختفت الشمس خلف الغيوم مخافة ان تعصي امر الله و تصب غضبها الناري علي البشر ..
كان مناخا يبعث علي الكآبة و الضيق النفسي ..
ووسط هذا المناخ الصامت كان هناك اربعة من الشباب يسيرون في صمت ،لم يكن صمتهم دليلا علي انتهاء حكاوي الشباب او نكاتهم ، بل كان صمتهم بسبب ما تحمله صدورهم من هموم و احزان و خوف من مستقبل غامض يعجز قاموس لغات البشر اجمعين عن وصفه ..
كانوا يسيرون سويا في اتجاه واحد ،لكن كان عقل كل منهم يسبح في اتجاه ..كانوا يحلمون ..
كانت احلامهم بسيطة و منطقية ،بل و تعتبر من حقوق الانسان الاساسية في البلاد التي تحترم حياة الانسان و تقدر قيمة الروح كثروة لابد من الحفاظ عليها و الاهتمام بها ..
كانوا زملاء و اصدقاء في نفس الجامعة ..
أولهم كان يحلم بوظيفة محترمة بعد انتهاءه من دراسته ،وظيفة تحفظ له كرامته يؤمن بها مستقبله و يزيح بها حمله عن كاهل والده و يرد له جميل صنيعه في تربيته بأن يساعده في تحمل اعباء مصاريف اخوته الصغار في عصر اصبحت فيه السلع الاساسية تسابق الزمن في الغلاء ..
و اما ثانيهم فكان يحلم بأن يتزوج فتاة احلامه الرقيقة الخلوقة و يكون اسرة سعيدة و يحظي باطفال يلاعبهم و يلاعبونه يعوض بهم آلام اليتم و مشقة الوحدة التي عاشها ..
ثالثهم كان يحلم بالهجرة ، ليس سعيا وراء المال بل ليشعر انه انسان ينعم بالحرية و الكرامة يتنفس هواء خالي من الملوثات ،يشرب ماء نظيفا من نهر غير مهددا بالجفاف يوما ما ، يأكل طعاما يمد جسده بالطاقة و الحيوية بدلا من طعام يحمل له من الامراض اكثر مما يحمله من فائدة ..
رابعهم كان يحلم بأن يتخرج من الجامعة بتفوق ليدخل الفرح و البهجة علي قلب والديه الذين صبروا و تحملوا في سبيل وصوله لأعلي المراتب العلمية ..
.
باقي دقيقة واحدة ..
كانت اقدامهم تسير ببطء و افكارهم تسير بسرعة الضوء ووطنهم ثابتا لا يتقدم ..
كان القدر ينظر اليهم و يبتسم ابتسامة ممزوجة بالحزن و الشفقة عليهم لانه يحمل لهم المزيد من الألم ..
و كانت مفاجأة القدر لهم متمثلة في سيارة تبعد عنهم بمسافة ثلاثمائة متر ، سيارة مسرعة تنهب الارض نهبا يقودها سائق يحمل علي عاتقه مسؤلية اسرة ، كان تفكيره في تدبير مصروفات اولاده يشغل عقله و يحتل تفكيره فأعماه عن رؤية الطريق او مراقبة السرعة و كأنه كان يصب غضبه علي دواسة الوقود دون ارادة منه ..
كانت السيارة تطوي الشارع الخالي متجهة الي الشباب المهموم كآلة حصاد مهمتها ان تحصد احلامهم البسيطة و تقضي علي بصيص الضوء و بارقة الامل في نهاية نفق مستقبلهم المجهول ..
حصدت السيارة احلامهم بلا رحمة لتثبت لنا ان الفساد اذا اصبح دستورا و الفوضي اصبحت قانونا و غاب النظام فلا قيمة لأرواح الابرياء ..
اصبحنا نعيش في زمن اعتادت فيه اعين الناس علي الدماء و اصبحت الحوادث شيئا روتينيا بعد ان كانت نادرة الحدوث ايام كان فيها بائع الجرائد ما ان يري خبر كارثة كان يهتف " اقرأ الحادثة ..اقرأ الحادثة " طمعا منه في زيادة مبيعاته لخبر لا يحدث كل يوم .
و بما ان مواطني شعبنا العظيم خبراء في كل شيئ،في الطب و الهندسة و الميكانيكا و النسبية و علوم الفلك و الفضاء فقد ادلي كل واحد منهم بدلوه كمحلل استراتيجي من الدرجة الاولي ..
** منهم من قال بان السبب هو حدوث عطل و خلل في السيارة ادي الي وقوع الحادث ،فيرد عليه اخر مسفها من كلامه قائلا ان الخلل لا يتسبب في زيادة سرعة السيارة فهي ليست مكوكا فضائيا او طائرة فانتوم اخطأت وكالة ناسا في تقديرات هبوطها ..!!!
** و منهم قائل بان السبب هو انزلاق الطريق بسبب مياه الامطار ..
** و منهم من قال بان السبب هو سباق بين سيارتين حاول فيه كلا القائدين اثبات جدارته في شيئ تافه كتعويض لفشله في تحقيق اهدافه الاساسية في الحياة انتهي بكارثة ..
*** و اكاد ان اجزم بان هناك من قال " هو ايه اللي وداهم هناك ؟" يقصد الشباب ، و هذا الصنف من الناس الذي يلوم الضحية ، هؤلاء اتباع آراء مكيافيلي و نيتشه و نازية العصر الحديث ..
السبب الرئيسي من وجهة نظري - و  قد اكون مخطئا - هو غياب الضمير الانساني ..!!
فبغياب الضمير اصبح البلطجي بطلا في اعلامنا و اصبحت الراقصة صاحبة رسالة و اصبح المعلم في اسفل السلم الاجتماعي و اصبح الدين مضغة يلوكها فم كل أفاق يبحث عن مجد زائف مبني علي التفرد و الافكار الالحادية ،انقلبت الرزائل الي فضائل و امسي المجرمون و السفلة يعيرون الشرفاء بشرفهم ..
لقد ابتسم القدر لهؤلاء الشباب لانه كان يحمل لهم رحمة الله من عذاب البشر و يمنحهم الشهادة كأعظم وسام تتويجا لصبرهم و قوة تحملهم ..
السؤال الذي يراودني دائما هو ؛ " هل سنعود يوما الي انسانيتنا التي فقدناها ..؟"
هل سيعود الزمن الذي كنا فيه ننتظر بشغف حلقات " العلم و الايمان " لدكتور مصطفي محمود او حلقات تفسير القرآن الكريم للشيخ الشعراوي عليهما رحمة الله ؟ ام سنظل غارقون في مستنقع الصراع السخيف لجماهير كرة القدم ..؟!!!
انا لا اتهم احدا بعينه ،بل اتهم ضمائرنا التي حولت الحرام الي حلال و المكروه الي مستحب و الوضيع الي عظيم و الباطل الي حق ...و الحقوق الانسانية الي احلام مستحيلة .
ادعوا معي الله ان يشفي مرضانا و يرحم موتانا و يطهر قلوبنا ...و يحيي ضمائرنا .
.
.
بقلم : عماد علام .

NameE-MailNachricht